محمد عبدالسميع (الشارقة)

الاحتفال بيوم عالمي للغة العربيّة يجيء تأكيداً لأهمية «الضّاد»، وضرورة حمايتها وصونها، حيث تتكاثر عليها اللغات والألسنة.
وإذ يدرك صاحب السّمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشّارقة ما للغة العربية من حضور، كونها تتصدر ثقافتنا العربية الإسلاميّة، فإنّ رؤية سموّه في هذا المجال تُعدّ نموذجاً مهماً في الدفاع عنها وتهيئة كلّ الظروف والمناخات المواتية لأن تظلّ بالفعل وعاء الثقافة والهوية العربية.
ومع إيمان سموه بضرورة تعلّم اللغات الأخرى والاطلاع على فكر الأمم والشعوب من خلالها، إلا أنّه لم يكن ليسمح بأن تبور هذه اللغة أو تُهمل بحجة ازدهار العلوم الحديثة التي غالباً ما يتمّ التعليم بها بلغات غير عربيّة، ولذلك، فإنّ تأسيس سموّه مجمعاً للغة العربيّة في الشارقة، يجيء انتصافاً للغة العربية وإدراكاً للتحديات والمخاطر التي تواجهها، وهو المجمع الذي يسير في خطى واثقة نحو فروع عربية، وهي رؤية مهمّة نحو تكامل مجامع اللغة العربية التي تشتغل ليل نهار على حلّ إشكالات الفصحى في الترجمة والتعريب وتأكيد حضورها بقوانين ومواثيق كلغة الكتابة والحديث والمراسلات وغير ذلك مما تجلبه العولمة من ضرورات تستدعي المجابهة بالعمل الجاد الذي رسّخه صاحب السمو في كثير من المجترحات التنفيذية الكفيلة بتنفيذ هذه الرؤية الجليلة في خدمة الفصحى وتأكيد دورها في الحياة.
ومن نماذج رؤيته الحكيمة في تأكيد اللغة العربية لدى الأجيال، مبادرة «لغتي» التي أطلقها سموّه عام 2013، بهدف تعزيز لغتنا في نفوس الطلبة في مدارس الشارقة، خصوصاً وأنّ هذا الهدف تمّ تنفيذه بوسائل عصرية مناسبة للطلبة تحببهم إليها وتجعل من اللغة العربية صديقةً للطلبة وفي الوقت ذاته تهيئ مدرس اللغة العربية لأن يكون بمستوى تحديات التعليم بلغتنا الأم، هذه اللغة التي استشعر صاحب السمو خطورة أن تغيب عن نقل تاريخنا العربي الإسلامي المشرق، فكانت بالفعل رؤية حكيمة لأن تكون وعاءً لهذا التاريخ والفكر في العصور العربيّة الزاهرة، لكي تبقى الجذوة الأصيلة حاضرةً في نفوس الأجيال.
ولأنّ الخطّ العربي هو نموذج حي على جماليات اللغة العربية في حروفها وأشكالها الجماليّة الباهرة التي تمّ تعلمها من دول غير عربية، فكانت غايةً في الإدهاش الجمالي، جاءت رؤية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي لإطلاق الملتقى الدولي للخط العربيّ، الذي تقام في ظلّه حركة إبداعية لمدارس الحرف العربي وتوليفاته ويتم التنافس خلاله على جوائز مهمة تدفع بهذا الحرف لأن يكون حاضراً في الكتابات كقيمة وظيفية للحفاظ على اللغة العربية وكقيمة جماليّة تعيد إلينا ألق الإبداع العربي في الحرف العربي الذي هو أساس وركن هذه اللغة القويمة، لغة الضّاد.
وليس وجود مهرجان الشارقة للشعر العربيّ الذي يجمع شعراء العروبة المبدعين في قراءات سنويّة إبداعية باللغة الفصحى إلا دليلاً على عناية صاحب السمو حاكم الشارقة وجهوده في خدمة اللغة العربيّة وإعادة مسرح اللغة الإبداعي إلى الوقت الراهن، لئلا يزهد الجيل الجديد بتراثه وليظلّ على صلة بلسانه العربي الفصيح من خلال مهرجان الشعر وشخصيّاته المكرّمة في كلّ عام.
وتُعد مجلة «الرافد» وغيرها من المجلات النقدية والإبداعيّة في الشارقة إضاءةً مهمّة على لغتنا في ترويج دراساتنا النقدية وحفظ موروثنا اللغوي والشعريّ والأدبي والفنيّ، وهي مجلات شكّلت حافزاً للبلغاء والكتّاب والأكاديميين وسدنة اللغة لأن تزداد نتاجاتهم اللغوية من خلال هذه المجلة المهمة التي تصدر عن دائرة الثقافة في الشارقة بشكلٍ منتظم وبلغت شهرةً عاليةً في تحقيق هدفها اللغوي والإبداعي والنقدي.
ويظهر في هذا المجال مهرجان الفنون الإسلامية في الشارقة، من خلال بروز «الحروفيّات» فنّاً أصيلاً له مدارس وتقنيات مهمّة، بالاستفادة من جماليّة الحرف العربي وكنوزه في الإيحاء والدلالة وحمل الفكر والهدف الإنسانيّ، ويُعدّ ذلك جزءاً مما تحمله رؤية صاحب السمو حاكم الشارقة من تأكيد لحضور اللغة العربية في كلّ عمل مؤسسي يتم إطلاقه في إمارة الشارقة.
ولم تقتصر مبادرات صاحب السمو حاكم الشارقة على الشأن المحليّ في دعم اللغة العربية ومحتواها الفكري واللغوي، بل إنّ سموّه وبحكم كونه الرئيس الأعلى لمجمع اللغة العربية بالشارقة، قد أكّد في حضوره اجتماعات اتحاد المجامع اللغوية العربية ضمن مؤتمر المجامع اللغوية والعلمية، على الضرورة الملحّة والحاجة السريعة إلى «المعجم اللغوي العربي التاريخي»، معلناً دعمه للفكرة مادياً ومعنوياً كحلمٍ نبيل ظلّ يراود سموّه منذ أمدٍ بعيد.
ويتوّج كلّ هذه المبادرات المهمّة لسموّه في خدمة اللغة العربية والحفاظ عليها، أنّ القاسمي الذي تشتمل دارته الزاهيّة بأبهى المخطوطات وأعتقها، لا يتحدث إلى الأدباء والشعراء والعلماء والمؤرخين إلا باللغة العربية الفصحى، هذه اللغة التي يكتب سموّه بها شعره الفصيح وسيره الذاتية ونصوصه المسرحية ومؤلفاته، وهو ما يعطينا الأمل دائماً بأنّ لغة الضّاد لا تزال حيّةً وباقيةً وأصيلةً، فلا يمكن أن تتضاءل أو تبور.